بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، ثم الحمد لله ، الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صاحب الخلق العظيم ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
..... بكلام جامع مانع : البشر على اختلاف مللهم ونحلهم ، وأعراقهم وأنسابهم ، وأديانهم ومذاهبهم ، وطوائفهم هم عند الله فريقان ، لا ثالث لهما ، الفريق الأول عرف الله ، فانضبط بمنهجه ، وأحسن إلى خلقه ، فسعد في الدنيا والآخرة ، والفريق الثاني غفل عن الله ، وتفلت من منهجه ، فشقي في الدنيا والآخرة ، يؤكد هذا المعنى قول الله عز وجل :
(( فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى ))
[ سورة الليل ]
الفريق الأول صدق أنه مخلوق للجنة ، وأنه في الدنيا من أجل أن يدفع ثمن الجنة ، لذلك لأنه آمن أنه مخلوق للجنة اتقى أن يعصي الله ، وبنى حياته على العطاء ، يعطي من وقته ، يعطي من ماله ، يعطي من خبرته ، يسعد بالعطاء ، هذا النموذج ، هذا الفريق الأول بنى حياته على العطاء ، الأنبياء أعطوا ، ولم يأخذوا ، والأقوياء أخذوا ، ولم يعطوا ، الأنبياء ملكوا القلوب ، والأقوياء ملكوا الرقاب ، الأنبياء عاشوا للناس ، والأقوياء عاش الناس لهم ، الأنبياء يمدحون في غيبتهم ، والأقوياء يمدحون في حضرتهم ، والناس جميعاً تبعاً لقوي أو نبي ، أتباع الأنبياء سلاحهم الكمال ، العطاء ، الرحمة ، الإنصاف ، اللطف ، العفو ، والطرف الآخر سلاحهم ما بأيديهم .
الفريق الأول أيقن أنه مخلوق للجنة ، فاتقى أن يعصي الله ، والفريق الثاني كفر بالجنة ، وآمن بالدنيا ، وقال : الدنيا هي كل شيء ولا شيء بعد الدنيا ، الغني في جنة ، والفقير في جهنم ، همه شهوته ، الفريق الثاني كفر بالجنة ، وآمن بالدنيا ، هي محط رحاله ، ومنتهى آماله ، لذلك استغنى عن طاعة الله ، ولذلك بنى حياته على الأخذ ، قال تعالى :
(( وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى ))
[ سورة الليل ]
نتيجة الفريق الأول ، قال تعالى :
(( فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى ))
[ سورة الليل ]
ييسر الله له لما خلق له من الجنة في بيته ، وفي صحته ، وفي زواجه ، وفي أولاده ، وفي مكانته ، وفي راحة باله ، وفي سكينته ، قال تعالى :
(( فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى ))
[ سورة الليل ]
(( وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى ))
[ سورة الليل ]
بنى مجده على أنقاض الناس ، وبنى عزه على ذلهم ، وبنى حياته على موتهم ، وبنى غناه على فقرهم ، وبنى أمنه على خوفهم ، قال تعالى :
(( وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى ))
[ سورة الليل ]
سوف ييسر لخلاف ما خلق له ، خلق للسعادة ، قال تعالى :
(( إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ))
[ سورة هود : 119]
سوف ييسر للشقاء .
أيها الإخوة الكرام ، ألا بذكر الله تطمئن القلوب ، قال تعالى :
(( ومن اعرض عن ذكر ربه فان له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ))
[ سورة طه ]
(( من أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه ، وشتت عليه شمله ، ولم يؤته من الدنيا إلا ما قدر له ، ومن أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه وجمع عليه شمله وأتته الدنيا وهي راغمة )) .
[الترمذي عن أنس]
ما من مخلوق يعتصم بي من دون خلقي أعرف ذلك من نيته ، فتكيده أهل السماوات و الأرض إلا جعلت له من بين ذلك مخرجا ، و ما من مخلوق يعتصم بمخلوق دوني أعرف ذلك من نيته إلا جعلت الأرض هوياً تحت قدميه ، و قطعت أسباب السماء بين يديه .
ابن آدم ، اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، يا رب ، ماذا فقد من وجدك ؟ وماذا وجد من فقدك ؟ وإذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟
اللهم طهر قلوبنا من النفاق ، وأعمالنا من الرياء ، وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة فإنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور
والحمد لله رب العالمين